القاهرة: مراسلة ''الخبر'' إيمان عبد الفتاح
تمكن العشرات من المتظاهرين، أمس، من دخول قلعة أمن الدولة
بمدينة نصر لليوم الثاني على التوالي. وكانت جريدة ''الخبر'' حاضرة للتعرف
على طبيعة الوثائق والمستندات الموجودة بالمبنى، وكذلك لاستكشاف هذا المبنى
الذي لا يعرف شكله من الداخل، حيث أن من كان يدخل إليه يكون معصوب العينين
مقيد اليدين وربما فاقدا للوعي قبل أن يصل إليه. فهو قلعة التعذيب في مصر،
ويقال إن الولايات المتحدة كانت ترسل له بعض المتهمين لديها لتعذيبهم
بالوكالة، وهذا ما حدث مع أبو عمر المصري.
بين أوراق متناثرة هنا وهناك،
تجد ملفات مدون عليها أسماء مشاهير من شخصيات سياسية ودينية وإعلامية
ورياضية، تحمل الكثير من الفضائح وتكشف عن مدى اختراق هذا الجهاز لخصوصية
الإنسان حتى لون ملابسه الداخلية.
وفي أحد أركان الدور الثاني بالمبنى
العملاق، وجدنا الآلاف من الأقراص المضغوطة وأشرطة الفيديو التي تعكس
عناوينها أنها خاصة بأوضاع جنسية لبعض المسؤولين المصريين والعرب وكذلك
رؤساء الأحزاب وغيرهم. كما تكشف الوثائق عن ثـروات الإعلاميين وكيفية
الحصول عليها وعلاقاتهم بالدولة، وهذا السبب كان وراء عزم عدد كبير منهم
على عدم التعاطي مع تلك الوثائق والتأكيد أنهم لن يتناولوها في برامجهم أو
جرائدهم.
ومن خلال المستندات، تتأكد أن الأمن السياسي هو هم النظام وليس
الأمن الجنائي، فانتشرت الجريمة والسرقة والفساد في مقابل القمع والاعتقال
والتعذيب للنشطاء السياسيين. وتشهد الزنازين الموجودة تحت أرض قلعة الجهاز
بما يقرب من 100 متر تحت الأرض، لتؤكد حالات التعذيب من خلال رفات بعض
المعذبين وكذلك شهادات اثنين تمكن الثوار من إخراجهما وكشفا عن اعتقالهما
منذ 12 عاما دون مبرر.
حجرة لا تزيد مساحتها عن المتر المربع والنصف،
بوابتها حديدية وضخمة، يعمها الظلام الدامس والرائحة العفنة، إنها إحدى
الزنازين التي رصت بجوار بعضها البعض لتبلغ 30 زنزانة.
يقول ''منير.
ن''، الذي وجد داخل إحدى الزنازين: ''هنا كنا نسمع صراخات التعذيب سواء
بالكهرباء أو الاغتصاب أو الضرب بالكرباج''. ويضيف: ''زبانية هذا الجهاز
كانوا لا يجهدون من التعذيب، بل كان نوعا من التلذذ والمتعة لديهم أن يروا
الإنسان معلقا ومغمض العينين، فيقومون بضربه أو إطفاء النيران على جسده..
إننا لا نملك إلا القول حسبنا الله ونعم الوكيل، ولابد من محاسبتهم
ومحاكمتهم علنا وعلى رأسهم حبيب العادلي وزير الداخلية''.
وفجأة تظهر
سيدة عجوز حاملة صورة لشاب في مقتبل العمر وتسأل: ''ونبي محدش شاف ابني ده
صورته''. مؤكدة أنه تم استدعاؤه قبل 15 عاما إلى القلعة ولم يعد منذ ذلك
الحين.
تركنا السيدة العجوز ومثلها الآلاف من القصص والروايات عن التعذيب والقتل والإهانة وإهدار الكرامة داخل هذا الجهاز.
وفي
الوقت ذاته وقف الثوار يؤكدون على تمسكهم بحل هذا الجهاز لتطهير الدولة،
على غرار ما حدث في تونس التي قررت حكومتها، أمس، إلغاء جهاز أمن الدولة.
ويقول الثوار: ''احنا مش أقل من تونس.. لابد من حل الجهاز وهذا هو طلبنا
الأول يا عيسوي''، إشارة إلى اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية الجديد.